إذا وضعت بذرة في تربة وسقيتها، سوف تنمو وتزهر وتعطيك ثمارها، فاكهة كانت أم خضارا. وتغذي جسدك وصحتك وتحافظ على حياتك، وتقيك من الأمراض. لكنها لن تغذي دماغك بالمعرفة الشاملة والثقافة، ولن تشعل فيه جمرة الإبداع، وعمق الرؤيا وسعة الخيال. لكن الكتاب حين يمسك شغف قراءته على مدار سنين عمرك وتنوع غاياتك، يتحول إلى غذاء يقي عقلك من كل أنواع الأمراض التي يسببها الجهل والتسليم. ويفتح إدراكك لسبر وقائع الحاضر واستكناه المستقبل، ومفاتيح الطموح. كهذا يفتح معرض الكتاب في شارقة الثقافة والمحبة والسلام، أحضانه للمبدعين والزائرين في تدفقهم الهائل للتجول في مساحة اتساعه، والتعدد الهائل بين أجنحة عروض دور النشر التي طرزت وجودها بملايين الكتب وتنوعها وإصداراتها المدهشة بكل أنواع الثقافات في كل مجالات الحياة والوجود: آلاف من دواوين الشعر. وآلاف من كتب الروايات. وآلاف من كتب العلوم والتراث، وكتب للأطفال والطهي وكل مسارات الحياة التي لا تعد ولا تحصى. بطبعاتها الجديدة المتميزة بجمالها وفنون إخراجها والتي تثير الفرح والإعجاب والدهشة وتوقظ الرغبة في اقتنائها حتى للزائر الذي لم يكن ممسوساً بهوس القراءة وجاء بغاية الفرجة والترويح. ففتنة مشاهدة الكتب وقراءة عناوينها المبتكرة، تغري الزائر بشراء الكتاب الذي سيكشف له ما خفي عليه في مسارات حياته وتوقظ خياله وتنمي فيه الشغف بالقراءة.
أما بالنسبة للمثقفين والأدباء والشعراء والباحثين والروائيين، الذين عادة ما يثرون ثقافتهم ومعارفهم ودراساتهم وإبداعاتهم في كل مجالات مقاصدهم بقراءة الكتب، فسوف تثير دهشتهم وإعجابهم ورغبتهم باقتناء كتب لم يسبق لهم قراءتها، وربما أنهم كانوا يبحثون عن مزيد من الكتب التي ترفدهم بمزيد من المعرفة في اختصاصهم. فالذين يعشقون قراءة الروايات ستلفهم الحيرة ومقدرتهم المادية في شراء هذا العدد المأهول من الروايات. وهكذا بالنسبة لمن يعشقون قراءة الشعر، أو حتى الذين يبدعونه. فكتب الشعر المعروضة في المعرض قد يعجز قارؤها عن اقتنائها كلها، وسوف ينتقي ما لم يقرأه من قبل. وهكذا أيضاً بالنسبة لكل متخصص في إبداع ما.
لقد رأيت كثيراً من الزوار يدفعون بعربات ممتلئة بالكتب، حين خروجهم من المعرض إلى موقف سياراتهم. كنت مندهشة وفرحة لأن جمال المعرض وتقنيات العرض وتنوع الفعاليات الثقافية والفنية والتعليمية، والترفيهية المخصصة للأطفال داخل المعرض وأمام بوابته الرئيسة، والمقاهي بتعدد أنواعها، تثير الفرح بمعرض سنوي للكتاب يحتوي كل ما يبهج حياتنا ويثريها. فهنيئا لنا بشارقتنا الغالية وسلطانها المبدع!.